دور الإعلام في تمكين المرأة

دور وسائل الإعلام في تنمية المرأة

تشكل وسائل الإعلام في العصر الحديث أحد الركائز الأساسية التي تساهم في توجيه الرأي العام، وتشكيل القيم الثقافية والاجتماعية، وهي بذلك تلعب دورًا محوريًا في عمليات التنمية الشاملة، ولا سيما في ما يتعلق بتنمية المرأة وتمكينها في مختلف المجالات. إن تطور الإعلام وتمدده عبر المنصات التقليدية والرقمية أتاح فرصة غير مسبوقة لتعزيز مكانة المرأة، سواء من خلال التوعية بحقوقها، أو تسليط الضوء على إنجازاتها، أو حتى مناقشة التحديات التي تعترض طريقها. وقد تنوع هذا التأثير بين ما هو إيجابي يرسخ لمفاهيم المساواة والتمكين، وما هو سلبي قد يعزز الصور النمطية ويعيق التقدم.

أولًا: وسائل الإعلام كأداة للتوعية بحقوق المرأة

من أبرز الأدوار التي تقوم بها وسائل الإعلام في هذا السياق هو نشر الوعي بحقوق المرأة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية. فقد ساهم الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، بالإضافة إلى الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، في تعميم الخطاب الحقوقي المرتبط بالمرأة، وتثقيف المجتمعات حول أهمية المساواة بين الجنسين، ومخاطر التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

برامج التوعية التي تبثها القنوات التلفزيونية، وحملات التثقيف عبر الإذاعة، والمقالات المنشورة في الصحف والمجلات، كلها ساهمت في رفع مستوى الوعي لدى النساء حول حقوقهن في العمل والتعليم والصحة والمشاركة السياسية. كما أن الحملات الإعلامية الموجهة قد لعبت دورًا بارزًا في مناهضة زواج القاصرات، وختان الإناث، والعنف الأسري، وهي قضايا لطالما كانت مغيبة أو مسكوتًا عنها.

ثانيًا: الإعلام كمنصة لتمثيل المرأة وإبراز إنجازاتها

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، بدأنا نشهد تغيرًا ملحوظًا في طبيعة الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام عن المرأة. فلم تعد المرأة محصورة في أدوار نمطية كربة منزل أو شخصية ثانوية في الأعمال الدرامية، بل بدأت تظهر كنموذج للقيادة، والنجاح، والريادة في ميادين متعددة كالأعمال، والعلوم، والفنون، والسياسة.

ساهم الإعلام في إبراز قصص نجاح لنساء من مختلف الخلفيات الاجتماعية، مما وفر نماذج يُحتذى بها ويدفع الفتيات والشابات إلى الطموح والسعي لتحقيق ذواتهن. فالمقابلات مع رائدات الأعمال، والتقارير عن عالمات وباحثات، والتغطية الإعلامية للسياسيات والناشطات، كلها تشكل روافد ثقافية تعمل على إلهام النساء وتشجيعهن على خوض غمار التجربة.

ثالثًا: الإعلام أداة لمناصرة قضايا المرأة

أحد أبرز أدوار الإعلام أيضًا هو مناصرته لقضايا المرأة، إذ شكل في كثير من الأحيان منصة للمطالبة بتعديلات قانونية أو تدخلات سياسية تحمي النساء وتحسن أوضاعهن. وفي هذا السياق، برز دور الإعلام الاستقصائي في كشف الانتهاكات التي تتعرض لها النساء، وتسليط الضوء على حوادث التحرش، أو حالات التمييز في بيئات العمل، أو حتى غياب العدالة في المحاكم فيما يتعلق بحقوق النساء في الطلاق أو الحضانة.

وقد نتج عن هذه التغطيات في كثير من الدول تحولات حقيقية في السياسات والتشريعات. فوسائل الإعلام لا تكتفي بعرض القضية، بل تحفّز الرأي العام وتضغط على السلطات للتحرك، وهذا ما يجعل منها شريكًا أساسيًا في الحراك المدني والنسوي على حد سواء.

رابعًا: الإعلام والتعليم وتغيير الصور النمطية

من أكبر التحديات التي تواجه المرأة هو التنميط الثقافي الذي يحصر دورها في قالب ضيق ومحدد، ويمنعها من الانطلاق والمشاركة بفعالية في الحياة العامة. وقد أسهم الإعلام في الماضي، ولا يزال في بعض الأحيان، في ترسيخ هذه الصور النمطية عبر الإعلانات، والأعمال الفنية، والمحتوى الترفيهي الذي يختزل المرأة في الجمال الجسدي أو في أدوار التبعية.

لكن في المقابل، برز اتجاه إصلاحي داخل الإعلام الحديث يهدف إلى تغيير هذه الصور وتقديم تمثيلات أكثر واقعية وتنوعًا للمرأة. إذ باتت هناك معايير واضحة تُفرض على الإعلانات التلفزيونية والبرامج الترفيهية من حيث طريقة تقديم النساء، كما أصبح من المألوف أن نرى شخصيات نسائية قوية وواعية في السينما والمسلسلات، مما يساهم في تغيير الوعي الجمعي ويكسر حواجز كانت تقيّد المرأة نفسيًا واجتماعيًا.

خامسًا: الإعلام الرقمي وتمكين المرأة

شهد العالم ثورة رقمية جعلت الإعلام متاحًا للجميع، وبذلك لم تعد المرأة فقط متلقية للمحتوى بل أصبحت أيضًا منتجة له. فبفضل الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، تمكنت النساء من إنشاء منصاتهن الخاصة، وبناء جمهورهن المستقل، ونشر رسائلهن دون الحاجة إلى المرور عبر قنوات الإعلام التقليدية.

المدونات، والقنوات على يوتيوب، والحسابات المؤثرة على إنستغرام وتويتر وفيسبوك، أصبحت أدوات فعالة للمرأة للتعبير عن ذاتها، ومشاركة تجاربها، وتقديم محتوى معرفي وثقافي يثري المجتمع. كما أن هذه المنصات ساعدت على خلق شبكات دعم بين النساء، وتبادل الخبرات، ونشر الوعي حول مواضيع تتعلق بالصحة الإنجابية، والتعليم، وريادة الأعمال.

سادسًا: التحديات والمعيقات التي تواجه الإعلام في دعم قضايا المرأة

على الرغم من الأدوار المهمة التي يلعبها الإعلام في تنمية المرأة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال قائمة، مثل غياب التوازن في التمثيل، وانخفاض نسبة النساء في مواقع اتخاذ القرار داخل المؤسسات الإعلامية، واستمرار بعض أشكال التحيز في المحتوى الإعلامي.

كما أن التبعية السياسية أو التجارية لبعض وسائل الإعلام تؤثر أحيانًا في توجهاتها، ما يجعل مناصرة قضايا المرأة مرهونة بإرادات خارجية أو أجندات تتجاوز الأهداف التنموية. هذا بالإضافة إلى التضييق الذي تتعرض له بعض الصحفيات أو الناشطات عبر الإنترنت، مما يخلق بيئة غير آمنة للإعلاميات المهتمات بقضايا النساء.

سابعًا: التغطية الإعلامية والنزاعات المسلحة وأثرها على المرأة

في مناطق النزاع والحروب، تلعب وسائل الإعلام دورًا بالغ الحساسية في نقل معاناة النساء والتحديات التي يواجهنها، سواء من حيث العنف الجنسي، أو التهجير، أو فقدان المعيل، أو صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية. وقد كانت التقارير الإعلامية المصورة والوثائقية مصدرًا أساسيًا للمنظمات الدولية لرصد الانتهاكات وتوثيق الجرائم.

وإلى جانب الجانب الإنساني، تساهم التغطية الإعلامية في تسليط الضوء على دور النساء في عمليات السلام، وإعادة الإعمار، والمصالحة الوطنية. فالمرأة ليست فقط ضحية في أوقات النزاع، بل يمكن أن تكون أيضًا فاعلًا محوريًا في بناء المجتمعات من جديد، والإعلام هو الوسيلة الأهم لإبراز هذه الأدوار وتعزيزها.

ثامنًا: السياسات الإعلامية ودورها في تمكين المرأة

تلعب السياسات الإعلامية دورًا حاسمًا في توجيه الإعلام نحو تبني قضايا المرأة وتمكينها. فوجود تشريعات تنظم الخطاب الإعلامي وتحظر التمييز والعنصرية على أساس الجنس يضمن بيئة إعلامية داعمة ومهنية. كما أن إشراك النساء في صياغة السياسات الإعلامية، وفي المجالس التحريرية، وفي الهيئات الرقابية، يسهم في جعل وسائل الإعلام أكثر حساسية لقضايا المرأة وأكثر تعبيرًا عن احتياجاتها وتطلعاتها.

ويمكن إدراج سياسات تحفّز على إنتاج محتوى يعكس تنوع الأدوار النسائية، ويشجع على التغطية الإيجابية لمساهمات النساء في المجتمع، إلى جانب دعم تدريب الصحفيات وتأهيلهن للقيادة في المؤسسات الإعلامية.

تاسعًا: الإعلام والتمكين الاقتصادي للمرأة

يساهم الإعلام في دعم التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال تسليط الضوء على فرص العمل، وتقديم نماذج ناجحة لرائدات أعمال، وبث برامج تدريبية وتعليمية تساعد النساء على اكتساب مهارات جديدة. وقد كان للإعلام دور مهم في تسويق منتجات المشروعات الصغيرة التي تديرها النساء، والترويج لريادة الأعمال النسائية، ما ساعد على تحفيز الاقتصاد المحلي وتقليص الفجوة بين الجنسين في سوق العمل.

كما وفرت بعض المنصات الإعلامية دورات رقمية ومحتوى متخصصًا في الإدارة، والمحاسبة، والتسويق، وهي أدوات مكنت النساء من إطلاق مشروعاتهن الخاصة والنجاح فيها.

جدول يوضح أوجه تأثير الإعلام في تنمية المرأة

خاتمة تحليلية

إن وسائل الإعلام ليست فقط مرآة تعكس واقع المرأة، بل هي أيضًا أداة لتغييره. من خلال رسائلها، وصورها، ومحتواها، تستطيع أن تسهم في كسر القيود، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي، وتمهيد الطريق أمام تنمية شاملة تبدأ من تمكين نصف المجتمع، أي المرأة. ولكي يكون الإعلام بالفعل شريكًا حقيقيًا في تنمية المرأة، لا بد أن يُدار وفق رؤية شمولية تضع العدالة والمساواة والإنصاف في صلب استراتيجياته التحريرية والمؤسسية.

المراجع:

1. اليونسكو – تقارير عن الإعلام والتنمية 2021

2. هيئة الأمم المتحدة للمرأة – أثر الإعلام على تمكين المرأة 2022